light

light

الأحد، 19 أبريل 2015

أحبّيني بلا عقدٍ


بقلم : انتصار رضي / أبريل 2015

مواقع التواصل الاجتماعي أو منظومات الشبكات الالكترونية التي باتت الشغل الشاغل للكثير من الدراسات والأبحاث ، لاسيّما فيما يتعلق بالخصوصية والهوية التي تدخلت تلك الشبكات في بنائها وتشكيلها من جديد . تسمح هذه المواقع للفرد بإنشاء قناته الخاصة به ومن ثم ربطها من خلال نظام إجتماعي إلكتروني مع أعضاء آخرين لديهم نفس الإهتمامات والهوايات ، أو جمعه مع مختلف الأصدقاء والأقارب . كانت أولى المحاولات لهذه المنظومات في أواخر التسعينات بغرض الربط بين زملاء الدراسة إلا أنها فشلت لعدم جدواها الاقتصادية. وتلتها تجارب أخرى كان أكثرها بروزا وانتشارا الفيس بوك الذي يعتقد حالياً أن عدد مستخدميه يتجاوز 800 مليون مستخدم على مستوى العالم !!
تمُت هذه المواقع لمفهوم بناء المجتمعات بصلة وثيقة ، إذ باتت تضم مجموعة من الممارسات الموجّهة نحو خلق وتعزيز الحس الجماعي بين الأفراد من ذوي الاهتمامات المشتركة ، وغالبا ما باتت تنتقل تلك الممارسات من حيزها في الفضاء الالكتروني إلى الفضاء الفيزيقي الواقعي من أنشطة ترفيهية ، أو تأسيس جمعيات ثقافية ، و نوادي قراءة ...وغيرها في محاولة لإلغاء الحدود الجغرافية و الجندريّة بين منتسبيها.
لعل من أبرز ما نجحت فيه هذه المواقع هو تقريب المسافات بين القارات ، إذ لعبت دورا محوريا في التقريب بين الشعوب والثقافات بصورة عامة، وتوثيق العلاقات بين العالمين العربي والغربي بصورة خاصة. بل وما هو أبعد من هذا التلاقح ، فليس ببعيد عنا كيف لعبت أيادي الفيس بوك في احداثيات ثورات الربيع العربي ،  وكيف أصبح برنامج المحادثات "واتس آب" الأكثر شيوعًا بين سكان الكرة الأرضية ذكورًا أو إناثًا وبات رافدا مهما في بناء المشهد الثقافي في الكثير من المجتمعات .والأخطر من ذلك تأثيره في بناء منظومة القيم وتوجيه سلوك أفراد المجتمعات ، إذ بات الـ "واتس آب" أحيانا المصدر الأول للمبادئ والتعاليم والضوابط الأخلاقية التي تحدد سلوك الأفراد وترسم لهم الواجبات الحياتية وأدوارهم في المجتمع .
ومن أخطر تلك الأدوار والعلاقات التي بات للـ "واتس آب" أيادي في تشكيلها هي العلاقة بين الزوجين في الأسر الخليجية ، في لغة لا تخلو من التهكم و السخرية على الرجل الخليجي المتبلد المشاعر ، والمرأة الخليجية الغبية .
" أبو سروال وفانيلة " مصطلح ابتكرته وأشاعته قنوات التواصل الاجتماعي للرجل السعودي وامتد للبلدان الخليجية  بعد أن أثبتت الدراسات إن 60% من السعوديين يتحركون في بيوتهم طوال اليوم بـ"السروال والفنيلة" على الرغم من كونهم كما يشاع سابع شعوب العالم في الصرف على آخر الصيحات في الملابس ولوازم التجميل والأناقة ! وعلى الرغم من أن " أبو سروال وفنيلة " تم ابتعاثه للخارج وحظى بأعلى الشهادات الأكاديمية واعتلى أفضل المناصب إلا أنه مازال مثار سخرية الفتاة وإن كان على سبيل الدعابة فقط.
ولم يكن حال الفتاة الخليجية أفضل من شريكها الرجل إذا كانت ضحية لحرب الكترونية كوميدية مضادة روّجت لـمصطلح " أم الركب السود / أم المشمر " بمختلف الوسائل والأساليب .  هذه الحملات الكوميدية باتت الآن وعبر قنوات التواصل الاجتماعي - الـ "واتس آب" أولا – باتت تلبس الكثير من الشباب نظاراتها ليشاهدوا أنماط العلاقات بين الزوجين من خلال هذه الثقافة الواتسابيه التي نصبح ونمسي على نوادرها وتناقلها بوعي أو بلا وعي !
لست في صدد استهجان هذا الـCopy و الـPaste الذي بتنا ضحاياه بصورة لا واعية عبر سكب مشاعرنا في قوالب "أم المشمر " و " أبو سروال وفانيلة " بقدر ما أنوي فيه تسليط الضوء على النار التي بعثت هذا الدخان ! لنتأمل معا في بعض النكت الشائعة والبحث عن العامل المشترك الأكبر بينها :
·        بعض الرجال يمسكون أيدي زوجاتهم في السوق لأنهم لو تركوا يدها سوف تذهب وتشتري السوق بأكمله ، قد يبدو الأمر في نظرك رومانسيا لكنه من وجهة نظر " أبو سروال وفانيلة " اقتصاديا !
·        هل تعلم أن (( الأخطبوط )) لديه "4" قلووب ولا يحب إلا نفسه فقط! عزيزي الأخطبوط،، اش يقربلك ابوسروال و فانيل !
·        ذهبت انا وزوجي الى البحر كي نعيش وقتأ ممتعآ ورومنسي فقلت له آلبحر جميل .. فقآل ليس آجمل من وقوفك جانبي ..اصبروو... هذي مو حقتنآآآ ، النسخه السعوديه .. ذهبت أنا  وزوجي إلى البحر كي نعيش وقتآ ممتعآ ورومنسي فقلت له البحر جميل .. فقال تغطي بَـِـِسُ ورانا شباب ..
والكثير مما لسنا في صدد جمعه في هذا المقال ، لكن كما هو واضح أعلاه فإن كل هذه الحرب الكوميدية تدور حول نقد قالب واحد تنصهر فيه المرأة الخليجية والرجل وهو الجفاف العاطفي ! ففي دراسة سعودية للدكتور صالح سلامة بركات أستاذ علم النفس تبين أن هناك ارتفاعًا ملحوظًا فى نسبة الطلاق، وإن 79% من حالات الانفصال سببها معاناة الزوجة من عدم تعبير الزوج عن عواطفه لها، وفِقدان أي وسيلة للحوار بينهما. ولا يختلف الأمر عند الكثير من النساء أيضا .
هذا البخل في المشاعر بات اليوم سببا رئيسيا وراء الكثير من قضايا الطلاق في أروقة المحاكم ، وبات المحرّك الأساسي للكثير من قضايا الخيانة الزوجية التي تقود الحياة الزوجية إلى التصدّع وتنتهي بالطلاق الرسمي أو الطلاق العاطفي إذ يعيش الزوجان تحت سقف واحد كالغرباء لا يجمعهما إلا الصمت المطبق !
مصطلح العيب الذي يفوق في سلطته المنطق والشرع أحيانا ، من أكثر الأسباب التي حجّمت من قدرة مجتماعتنا الخليجية في التعبير عن المشاعر بانسيابية وطلاقة . كثيرا ما كنت أعبر ممرات المدرسة وألتقي في طريقي باحدى طالباتي المراهقات فأحتضنها بين ذراعي أشعر بفرائصها ترتعد خجلا وخوفا من عناق لم تعتد عليه ، وكثير ما رددن لي طالباتي هذه العبارة " أمي تستحي تحضنني " ؟ في حين كان الآباء و الأمهات  يعلقون على هذا بقولهم " لا نعرف كيف نفعل ذلك " ؟ وكأن المهمة تحتاج إلى جرأة بحجم مجرّة لينوي الأب أو الأم  احتضان أبنائهم دون مناسبة تذكر !
والكثير من القضايا التي وردت على مكتبي أثناء عملي في الإرشاد الأسري سابقا كانت تتشعب طولا وعرضا وتنتهي بالجفاف العاطفي ! ومن باب من لا يرحم ولا يترك رحمة الله تنزل فإنك لست مخيرا في هذا السبيل .. فعليك أن تكون ثقيلا رزينا جافا كما تريد لك ثقافة العيب ، لأنك لو فكّرت أن تعبر حاجز الخجل في هذا فقد تُوصم بقائمة طويلة عريضة من الألقاب مفادها أنك لست رجلا وأنّك امرأة تافهة !
أتساءل يا ترى هل يحتاج التعبير عن الحب لأبنائنا لأزواجنا لزوجاتنا كل هذا التعقيد الذي يوصل بأسرنا أحيانا إلى الخيانة أو أروقة المحاكم ؟؟ ! رسول الله ص وهو أكثر رجال  الأرض مهابة وعظمة على مرّ تاريخ البشرية كان يقبّل وجنة فاطمة ويقبّل نحرها ويقول : فداكِ أبوكِ  .. فداكِ أبي وأمي .. فأين نحن من هذا الحب البسيط الذي لا يحتاج إلى معادلات حسابية معقدة  لتوزيعه لمن يستحقه !! ولماذا لا نحبّ كما يشاء الحب دون عقد وبلا تعقيد أو كما يتساءل  شاعر الحب نزار قباني :
لماذا لا يحب الناس في لينٍ وفي يسر ؟
كما الأسماك في البحر ،، كما الأقمار في أفلاكها تجري
لماذا لا يكون الحبّ في بلدي .. ضرورياً ..

كديوان من الشعر !!

الأحد، 12 أبريل 2015

من يشعل فانوس المتعوس ؟

بقلم : انتصار رضي - أبريل / 2015

"رفع الله حظّش" ! هذه العبارة التي يجبر بها أبناء وطني خاطر فتاة تجاوزت الخامسة والعشرين من عمرها ولم تدخل في دائرة النصيب بعد ، لتحظى بزوج ( يرفع حظّها ) . ومهما بلغت الفتاة في ثقافتهم من جمال أو شباب أو نضارة أو مؤهلات فهذا " الحظ " المايل في وجهة نظرهم سيبقى معوج مالم يلتئم نقصها بالجنس الخشن فيعدله! 
تبقى هذه الدعوات على لسان الأمهات وما يحفّها ويدعمها من أمثال شعبية ، تسجّل شعور وأفكار الناس بتكثيف وإيجاز فيما يشبه القوانين النافذة تتناقلها الأجيال وتتوارثها بوعي أو بلا وعي . ورغم تطور ثقافة المجتمع في كثير من تحوّلاته وعلاقاته الديناميكية إلا أن هذه الدعوات والأمثال تبقى تتوارث في الذاكرة الجمعيّة وتفرز نمط وعي مشترك يترجم فهمنا للكثير من الظواهر والقضايا في الحياة ومن تلك القضايا مسألة ( الحظ ) !!
منذ زمن طويل وأنا مولعة بالأمثال الشعبية وقراءة الدراسات المقارنة للأمثال في البيئات الخليجية والعربية في محاولة للنظر إليها نظرة معاصرة تؤكد حيوية هذا التراث وأثره المستمر في وعينا وتكويننا الفكري والثقافي . ومسألة الحظ كان لها نصيب الأسد في هذا التراث الذي يتعدى كونه مجرد كلام مرصوص ومسجوع إلى رفعه في مصاف الأحكام القطعية تدفع بالكثير لتعليق المسئولية بتسليم مطلق على الحظ في مواجهة الإخفاق أو تبرير النجاح !
مجمل ما جاء في هذا التراث يميط اللثام عن حالة ضبابية من الوعي تخرج الإنسان من قانون السببية الكونية وتحصره في دائرة من لاعلاقة له بتقدير الأقدار فهو في هذه الدائرة كائن يعيش ضرورات ومعطيات فرضت عليه بقدر ما يتسع الحظ له أو يضيق .
إذا ما سلّمنا بخضوعنا جميعا للحظ الذي ينطلق من أسباب قد لا نكون جزءا منها بل تفرض علينا من صنع واقع كوني يدبّره الله لنا ، فعلينا ألا نغفل من جانب آخر عن تناول الأسباب التي نكون نحن الجزء الأهم منها في صناعة الحظ .
من بين تلك الأسباب اغتنام الفرص التي تمرّ مرّ السحاب ! فمن  أهم ما يرفع حظوظ الناجحين قبالة سواهم هو اغتنام الفرص التي تمرّهم وهم على أتم الاستعداد لها . لقد سئل أحد كبار الأثرياء من الذين يعملون في العقارات وسوق العملات، كيف تنجح في السوق وغيرك يفشل فيه ؟ فقال: "أنا أدخل في السوق حينما يكون غيري لا يزال مترددا، وأخرج منه حينما يكون قد قرر غيري الدخول، فأحصد أنا النجاح ويحصد هو الفشل..".
لماذا يحاصرنا الخوف دائما من قول " نعم " للفرص الجديدة ، للمعرفة الجديدة ، للعلاقات الجديدة ؟ ألا تتفقون معي أن هذا الخوف الذي يسكننا  يدفعنا لخسارة الكثير من الهبات التي قد يسوقها الحظ لنا يوما ما ؟
لوهلة قد ينكر الكثير منّا أن الخوف هو سبب هذا التردد ؟ لكن إذا تأملنا في دوائر الارتياح Comfort zone التي غالبا ما تحصرنا في دائرة مغلقة نصبنا حولها مصدّات لكل ما هو جديد وأحكمنا نوافذنا وأغلقنا ستائرنا عن كل ما يطرق أقدارنا من فرص ! وهل هناك من فرص تلوح ما لم نبحث عن الجديد دوما ؟ وما دمنا نخاف الجديد فسنظل قابعين تحت سماء لا تمطر فرصا ! فنحن لا سوانا من نحبس سماءنا أن تمطر فرصا بل وأحيانا سماء من معنا أيضا ؟!
نبدأ من دائرة الأطفال ففي بداية كل عام دراسي عليّ أن أتحلى بصبر الأنبياء وأنا أدرس طلبات أولياء الأمور لنقل أبنائهم من فصل دراسي لآخر والسبب في الغالب الأعم ( عشان أصدقاءه هناك ! ) وكأنه محكوم على هذا الطفل أن يعيش وسط هذه الدائرة من الأصدقاء كل حياته ، وهكذا يتبنى الأبناء ما يتبناه الآباء . ولا أبالغ إذا ما أخبرتكم أن بعض الآباء قد يضطرون للتلويح بالشكاية لوزارة التربية والتعليم إن لم أخضع لنقل أبنائهم للمجموعات الطلابية التي إعتادوا عليها ! وربما أقول ربما يخسرون الكثير من التجارب الجديدة التي قد تسوق لهم فرص جديدة مع معارف جدد وصداقات جديدة .
وماذا عنا نحن البالغون في عالم الانفتاح التكنولوجي ؟؟ قبل أشهر معدودات وجدت نفسي وسط 80 شخص في مجموعة " واتسابية" كل أعضائها من حملة الدرجات العلمية والعملية الرفيعة جدا ، لا أعرف من بينهم سوى مؤسس المجموعة ! كنت أراقب بحذر ردود الأفعال حيال هذا التجمع الذي كان واضحا للوهلة الأولى من انسحاب مؤسّسه بعد دقائق معدودة من إنشائه أنه حدث عن طريق الخطأ ، إلا أني كنت أراقب مادار فيه من  تفكير و تمحيص و فرك الأكف و حكّ الشّعر ومناقشات لا تدار إلا بعقول تحكمها نظرية المؤامرة خلصت إلى ضرورة إنهاء هذا التجمع الخطير ! ولكم أن تتخيلوا هذا الخطأ العابر ساق لي فرصة ثمينة لمعرفة باحث نفسي يحضر الدكتوراة في علم النفس في السويد ويقوم بدراسات فريدة لم أقرأ لها مثيلا تتعلق باضطراب نقص الانتباه وفرط الحركة لدى الأطفال وهو ما شجعني حاليا لتأليف كتابي حول هذا الاضطراب والاستفادة من أبحاثه فيه ! « الفرصة غُنم » الإمام علي عليه السلام .
ولو تأملنا الفروقات بين شخص محظوظ وآخر لم يحالفه الحظ يوما رغم مرورهما بنفس التجربة فإننا سنجد الشجاعة لدى المحظوظ كانت السبب الأول في اقتناصه للفرصة في حين بقي المتعوس يفرك فانوسه الذي فات وقت إشعاله ! إن اغتنام الفرص لا يتم إن كنا نتأفف من رسالة بريدية تصلنا تخبرنا بالجديد في عالم التدريب أو تسوّق لنا بضائعا حديثة ، إغتنام الفرص لا يتم ونحن نتأزم من استقبال مقالات وروابط إلكترونية تصلنا من أشخاص لا تربطنا بهم صلة قرابة أو معرفة ! لن يتم ما لم نستثمر حتى أخطاء الآخرين لنصنع منها نجاحاتنا ! .
أيضا من بين تلك الأسباب التي تجعلنا سببا محوريا في صناعة الحظ الوقوف في موقع السبب لا النتيجة دائما ! تأملوا معي كم يقبع الكثير منّا في مواقع النتائج ويستسلم إلى أنه ضحية للظروف التي لا يتحمل أسبابها !! فالشاب الذي لا ينجح في امتحان  السياقة يبرر بقوله " المرور رسّبني " ، والطالب الذي لا يجتاز عامه الدراسي " المعلّم يعاديني " ، والزوجة التي تصل إلى الطلاق زوجها ظلمها وهكذا هلمّ جرّا ... وحين نتملّص بشكل دائم من الوقوف في مواقع السبب وتحميل أنفسنا مسئولية بقعة الحبر التي بدت على ثيابنا ولم نكتشفها إلا في العمل ، وتعطّل الفيديو في ورشة عمل قمنا بتقديمها ، و حادث واجهنا في الطريق ففاتنا موعد الطائرة .. إن لم ندرّب أنفسنا على الوقوف في هذا الموقع فلن نسعى لصناعة الحظ لأننا باختصار ضحايا في طابور طويل ننتظر متى ترحمنا الظروف وتنصفنا الحظوظ !
وبلا شك يلعب التحرر من الأفكار التشاؤمية وسيطرة قوانين مورفي على عقولنا  دورا كبيرا في صناعة الحظ ، فالتشاؤم يقودنا دون وعي إلى نتيجة حتمية  كنّا ننتظرها دون غيرها . هل بتنا نشعر حقا بحجم التشاؤم المقيت الذي بات يحكمنا وبتنا نصدّره لأبنائنا وعوائلنا وأصدقائنا بقصد أو دون قصد ؟؟ سواء بنشر رسائل شبكات التواصل الاجتماعي أو تجاذب بعض الأحاديث في بيئات العمل أو البيئات الأسرية والتي تبث الطاقة السلبية فتؤطر أفكارنا وتسيطر على مشاعرنا وتترجم في سلوكياتنا . وتنتهي بألا حيلة لنا في صناعة الحظ ولو جرينا جري الوحوش ! لا أجد لهذه الحالة أجدى من مثال قاله لي أحد أساتذتي في الحياة: " تخيلي أن الأقدار كالأقمار الصناعية وأن عقلك هو المستقبل للقنوات الفضائية .. ثقي أن " الريموت" بيدك فأي القنوات تودين استقبالها اختاري ثم اكبسي زر القناة التي تودين .. كان أستاذي يودّ أن يشرح لي قانون الجذب والقوى البشرية الغامضة باختصار شديد .  " ما ظنّ عبدٌ بالله خيراً إلا كان الله عند ظنّه به ، ولا ظنّ به سوءاً إلا كان الله عند ظنّه به " .
اغتنموا الفرص .. كونوا في موقع السبب .. تفاءلوا بالخير .. هذه قواعد ثلاث ذهبية جربتها في مختلف مراحل حياتي وأكدت لي تماما أننا نحن من نرفع حظوظنا ونشعل فانوس المتعوس أو نطفئه !! 



الأحد، 5 أبريل 2015

علّمونا الحب


بقلم : انتصار رضي / أبريل 2015

وسط طوفان العنف والتقلبات السياسية المتصاعدة ، والخلافات الطائفية التي شوّهت النسيج الاجتماعي ، أو أن خراب النسيج الاجتماعي قد انعكس بشكل خلافات طائفية ! لست أدري .. ما أعلمه هو أننا نعيش في شرق أوسط ملتهب بصراعاته المحليّة والخارجية ، وإن أقصى ما بتنا نفكر فيه كيف نتأقلم كطوائف مع هذه الأزمات المتتالية وكيف نتبنى ثقافة إدارة الخلاف حتى لا نُسجّل تحت الفصائل المنقرضة أو نتحول لمجرد أرقام واحصائيات في سجلات الوفيات .
هذا ما دفع بعض الكتاب مؤخرا عوضا عن الحديث عن قيم السلام وأخلاقيات التعايش الإنساني وإدارة الحب ، أن يتداولوا عنوان كـأخلاقيات الحرب ! يبدو للوهلة الأولى لك أن الأمر يثير السخرية والبكاء معا ؟ فكيف نبحث عن أخلاق لمسببات الهلاك والموت وتسمية أدوات الذبح بأنها انسانية وأخلاقية ! لكن تبقى هذه النداءات على حدّ قولهم هي أقصى ما يمكن أن يبرئ به كاتب ضميره إتجاه المدنيين الذين هم لا حول لهم ولا قوة في التجاذبات السياسية وفي تصفية حسابات الصراعات الكبرى . المدنيون الذين عادة ما يكونوا حلفاء الخسارات العظمى في كل رحى حرب تضع أوزارها بعد أن أفنتهم بصمت يشوبه استنكار دولي خجول !
أما أنا ومن كرسي مكتبي في المدرسة أتأمل وجوه طلبتي الحالمة بغد أجمل لم يأتِ بعد ، ولا أعرف إن كان سيأتي أم لا ! أجد أن غاية ما يجب أن نقدّمه لهؤلاء الأطفال وسط حمّى القتل والذبح في عالم اليوم ، أن نعلّمهم الحب ! الحب تلك الثقافة التي أجدنا في أمسّ الحاجة لهندستها وتفصيلها وتعليمها . كنت أعيد نفس هذه العبارات مع زميلتي بالعمل فتوقـَفت لوهلة تسألني وما الحب ؟ ها .. ما الحب ؟؟ .. فأجبتها لا أدري (Google it) .. شئت أن نتندر حول بعض التفسيرات والعناوين وبدأنا ( نغوغل ) الحب ! وهذا ما وجدته :-
" الحبّ : هو شعور بالانجذاب والإعجاب نحو شخص ما، أو شيء ما، وقد ينظر إليه على أنه كيمياء متبادلة بين إثنين، ومن المعروف أن الجسم يفرز هرمون الأوكسيتوسين المعروف بـ "هرمون المحبين" أثناء اللقاء بين المحبين " .
" الحب الحقيقي يستحق منك البحث دائماً عنه و الإحتفاظ به في حياتك . و ذلك لأن الكثير من الأزواج  قد ينفصلوا بسبب عدم الشعور بالحب الحقيقي " .
" أريد حبيبا يقدّر الحياة الزوجية ، ويحبني " ، " الحبّ في الأرض بعض من تخيلنا لو لم نجده عليها لأخترعناه " ، والكثير من صور عارضات الأزياء وبنات الهوى !
وجدت كلمات في الحب  لشكسبير ، سيمون دي بوفوار ، جان جاك روسو ، العقاد ، أفلاطون ، برنارد شو ، جبران ... إلخ.
الله قال أحبّوا الأنبياء قالوا أحبّوا العلماء قالوا أحبّوا الشعراء والفلاسفة  والفنانين ، فأين كل هذا الحب الذي قالوا عنه في هذا المتصفح العملاق ؟تذكرت حينها مصباح ديوجين الفيلسوف اليوناني المتقشف الذي لم يقتنِ شيئا ولم يملك مأوى ، تذكرت مصباحه المشع البائس الذي حمله في ظهيرة يوم حارق تحت شمس سماء صيف صائف لا يحجبها غيم ولا غبار وعبر به الطرقات وهو يقول ( أبحث عن انسان ) !
وأدركت مع زميلتي وسط فوضى تفسيرات الحب في الفضاء الالكتروني الشاسع أننا لم نجد ذلك الحبّ الذي نبحث عنه لنعلّمه أطفالنا ! الحب الذي نحتاجه ليحمينا وسط شرق أوسطي مكتظ بحروب ونزاعات لا نعرف فيها هويّة الجاني والمجني عليه ! وأجندات سياسية تتحكم في مصائرنا لا نعرف أهدافها أو هويتها ! الحبّ الذي يرحم جهل الضعفاء بدوافع تلك التصفيات السياسية ومرامي صراع المصالح الذاتية .
الحبّ الذي يبدأ من أنفسنا لأنفسنا ؟ فكيف نعلم الأطفال أن يحبّوا أنفسهم قبل أن يتوسّلوا الصواريخ لتكون رحيمة عليهم فلا تسقط في مدرسة علّقوا على جدرانها لوحاتهم عن الحبّ والسلام ؟ كيف نعلّمهم أن يحبّوا أنفسهم وسط أنماط تربية متطرفة شائعة ، فهي إما توقعهم في النرجسية وتضخم الأنا ومركزيتها و عبادة الذات تحت قائمة طويلة للاضطرابات النفسية ،أو تسقطهم في مطبّ انخفاض تقدير الذات تحت طائلة الفهم المغلوط لحبّ النفس في القرآن والسنّة ! كيف نعلمهم ذلك الحب الذي يبدأ من النظرة الايجابية للذات وتقدير ما تملكه من إمكانيات وطاقات وقدرات ومؤهلات ، الحب الذي يمنحهم الثقة في التعامل مع ذواتهم بإيجابية كل يوم .
الحبّ الذي يبدأ في دائرتنا الأولى أسرنا ، ليحارب أرقام  الإساءة الأسرية، أو الإساءة الزوجية جسديا ولفظيا ونفسيا وجنسيا وماديا ! ليحارب الإهمال الأسري والصراعات الزوجية وأرقام الطلاق المتضخمة والتي فاقت معدلات الزواج في بعض الدول الخليجية !
الحب الذي يبدأ في مدارسنا ، كي لا يجعل أطفالنا ضحايا لظواهر الاستقواء والتنمّر المدرسي تحت سيادة أسلوب الغاب وسياسة البقاء للأقوى . الحبّ الذي يتنفّسه المعلّم حين يتقبل طلابه كم هم لا كما ينبغي أن يكونوا عليه ، نعم هو حب المعلّم لطلابه غير المشروط بتخفيف نصاب المنهج المقرّر أو المادة العلمية أو ساعات الدوام المدرسية أو اشتراطات الجودة ولجان التحسين ! بل الحبّ الذي يجعل المعلم روحا أبويّة فياضة بالرحمة والنصح والإخلاص والنبوّة .
الحبّ الذي يبدأ في أعمالنا و وظائفنا ، ولا يحوّل سلطة المدراء إلى تسلط في جوّ من الاحتراق الوظيفي و فقدان العنصر الإنساني أو الشخصي في التعامل ومعاملة الأفراد كأشياء وليس كبشر ! الحب الذي يرحم طوابير العملاء الطويلة والمعاملات المتكدسة على الأرفف بسبب البرود والبيرقراطية البغيضة ، وعدم المبالاة، والشعور السلبي نحو المستفيدين من الخدمة .
الحبّ الذي يبدأ من طرقاتنا وشوارعنا ، فيمنعنا من الوقوف بسياراتنا أنّى نشاء غير عابئين بالطريق ! أو أخذ مكانين لركن السيارة دون أدنى تفكير بالآخر ، أو حرمان المشاة من حقهم بالسير الآمان على خطوط المشاة ! الحب الذي يدفعنا لإماطة الأذى عن الطرق و الحفاظ على بيئتنا من اضطراب النظام البيئي ومن التلوث الذي ينذر بالاحتباس الحراري !
الحبّ الذي يبدأ مع الغير أيا كان هذا الآخر ! فيردعنا عن التَّلَهِّي بالحيوانات في الصيد كقتل عصفور عبثا وتسلية ! أو ركل عامل آسيوي في محطة وقود لأنه سكب البنزين الجيد عوضا عن الممتاز ، أو استنزاف خدم المنازل في العمل من دون خجل أو شعور بالعار وكأنهم ليسو ببشر مثلنا ! الحب الذي يدفعنا أن نتطوع بدون مقابل في  جمعيات وفعاليات تدافع عن قضايا أطفال السرطان أو متلازمة داون ، أن نتطوع في تزكية بعض العلم مجانا وسط جشع عالم التدريب والمدربين . الحبّ الذي يجعلنا نشفق على معدم يعيد ترتيب ميزانيته ألف مرة ليسدد بها فواتير الكهرباء والماء قبل انقطاعها في حين نشدّ فيه نحن رباط أحذيتنا التي تعادل راتبه الشهري ! الحب الذي يمنعنا من ترك أحد الوالدين وقد بلغا من الكبر عتيّا على باب دار للمسنين ، الحب الذي يجعلنا جزءا من معاناة مريض سكلر رفضت كل الشركات توظيفه ، جزءا من معاناة الأرملة التي تنتظر إعانة شهرية لا تكفي لملابس الشتاء ، والعانس التي تنتظر من ينتشلها من مستنقع نظرة الناس . الحب الذي يجعلنا انسان .. انسان فقط !
إنها مسئوليتنا نحن كآباء وأمهات ومعلمين  أن نعلّم أطفالنا هذا الحب غير المشروط بمكاسب أو مصالح . قبل 7 أعوام قال لي أحد معلميني في الحياة وأنا أنتظر استقبال طفلي الأول حين سألته : ما هو أول شيء أعلّمه أطفالي ؟ أجابني سريعا : الحب ! الحب ولا شيء آخر ! وأعقب ذلك بمعلومة علمية تشير إلى أن العقل الواعي يتوقف عن العمل في حالة النوم وأن المجهود يقل إلى أدنى درجة عندما يدخل المرء في حالة النعاس ، والسبب في هذا هو أن أعلى درجات النشاط للعقل الباطن تحدث قبل النوم وبعدها قال لي : اهمسي لرضيعك قبل النوم بكل عبارات الحب. قمت بتجربة هذا أنا ومجموعة من صديقاتي مع أطفالهم في ترديد عبارات كل مشتقات الحب وعلائقه على أطفالنا قبل النوم لأعوام متتالية وتيقنت حينها أننا نحن لا سوانا من نقوم بتعليم أطفالنا الحب ليس بملأ عقلهم اللاواعي بتلك العبارات وحسب بل بجعل الحبّ منطلقا لكل سلوكياتهم وأفكارهم ومشاعرهم وقراراتهم !
يقول الدكتور مصطفى أبو السعد أحد العمالقة في عالم التربية بالحب التعبير عن المحبة للطفل من أهم مقومات السعادة له . هذا التعبير يحد من العنف والتحرش الجنسي ويشبع للطفل الحاجة للقبول وينمي الصفات الإيجابية عنده  وذلك من خلال الكلام ، القبلة ،الاحتكاك الجسدي ، الضم ، وقد تبين على حدّ قوله أن الطفل بحاجة إلى 24 ضمة يوميا من والديه لا أقل من ذلك !
فإن كنّا لا نملك مقاليد الأمور في هذا العالم المستعر لنخمد كل مصانع الحرب والصراع والبغض ، فإننا نملك أحضاننا وهي أكبر مصانع الحب ! فلنعلّم أطفالنا هذه الثقافة قبل أن تعلّمهم الحرب ما لم يعلموا وتذيقهم ما لم يذوقوا !