light

light

الأحد، 8 مارس 2015

أعيدوا المرأة للمرأة ..دعوة لتمكين المرأة أسريّا



بقلم : انتصار رضي / مارس 2015
منذ نشوء الأساطير و ثقافات الشعوب السابقة ، وديانات الشرق القديم ، كانت المرأة مادة خصبة في الصراعات ، قوية كانت أم ضعيفة ، إلهة كانت أم أَمَـة ، حاكمة أم موؤدة !  وأبرز هذه الصراعات ما كانت تدور في دائرة الرجل . بدءا من ميثولوجيا المرأة الشريرة في الأساطير القديمة التي قالها عنها الرجل للخالق في الأساطير الهندية " يا لشقائي ! أني لا استطيع أن أعيش مع المرأة، ولا استطيع أن أعيش من دونها". أما في الحضارة الصينية فكانت المرأة تشكل عبئا على الرجل الذي يجدها غير نافعة للعمل في الحقول أو القتال في الميادين ، وكثيرا ما كان الآباء يتركونها لقمة للشتاء  أوذئاب الصحاري ليقضى عليها بصمت . في حين عاشت بعض العرقيات عداوة مزمنة للمرأة تصل لأحكام القصاص منها بعد وفاة زوجها وتحريم العيش بعده فتحرق معه في آن واحد .
وعن المرأة في أحوال الجزيرة العربية لم تخرج أيضا من كونها مادة الصراعات الأهم في دائرة الرجل سواء كانت مجرّدة من صفات الإنسانية كما استدلّ المؤرخون على ذلك من زواج المرأة من عدة رجال وتقاسمها كالغنيمة ، أو سواء كانت ذات مكانة رفيعة يتقرب الشعراء إليها ويخطبون ودّها ، وفي النقيضين – إن صحّ أن هناك تناقض -  لم تكن المرأة تخرج من دائرة صراع الذكورة والأنوثة في إطار الحماية  كما يقول العقّاد " وهو التخلُّص ممَّن يستنفِد القوت، ولا يعين على تحصيله أو الذَّود عن موارده، ونعْنِي بهنَّ البنات الزَّائدات عن حاجة القبيلة".
ومرورا بالديانات السماوية فقد جاء في الإنجيل في رسالة بولس الرسول إلى أهل أفسس "أَيُّهَا النِّسَاءُ اخْضَعْنَ لِرِجَالِكُنَّ كَمَا لِلرَّبِّ، لأَنَّ الرَّجُلَ هُوَ رَأْسُ الْمَرْأَةِ كَمَا أَنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا رَأْسُ الْكَنِيسَةِ"
أما في الشريعة الاسلامية السمحاء فرغم تلبيتها للمرأة أكثر من حاجة أولية فسيولوجية ، و حاجتها إلى المكانة الاجتماعية لجانب الرجل ، و حاجتها إلى تأكيد الذات في الحقول العلمية والاجتماعية والسياسية ، مما حفز المرأة لتشارك كالرجل في بناء المجتمع وتتدخل في الحياة الاجتماعية وتحفظ لنفسها حقوقها المشروعة ، بقت الدائرة الأهم للمرأة في الإسلام في إطار الزوجية والأمومة .
ورغم كل التشريعات الإسلامية التي أقرت بكون المرأة  نصف عدد السكان ونصف الطاقات البشرية ، إلا أن ما مرّ به التاريخ من فصول الظلم التاريخي ضد المرأة في دائرة الرجل،حفّز لولادة الحركات الاجتماعية التي انطلقت لإحقاق حقوق المرأة ، سواء كانت ترتكز على رؤى عقلانية ومعرفة الطبيعة والفطرة عند الرجل والمرأة ، أو سواء كانت منطلقة من الانفعالات والتقليد والقرارات العمياء ففي الحالتين كان الغرض هو تمكين المرأة على كافة الأصعدة خارج دائرة الرجل ، بل وخارج دائرة الأسرة والأمومة!
وبعد انطلاق دعوات تمكين المرأة للحصول على فرص متساوية مع الرجل، والمساواة في الحصول على الموارد، والمشاركة المنتظمة في اتخاذ القرارات التي تشكل عالم اليوم ، بدت المرأة ككيان مستقل ، الشغل الشاغل للحكومات في مشاريع التنمية . ففي البحرين مثلا وعلى صعيد تمكين المرأة اقتصاديا ، استطاعت المرأة البحرينية بنجاح الدخول في شتى القطاعات مثل تجارة الجملة والتجزئة ، الخدمات المالية ، الصناعية ، اللوجستيات ، العقارات ، والإنشاءات وغيرها . كما أقرت " تمكين " - المؤسسة الأولى التي تعنى بتوفير الدعم لتنمية الأفراد والمؤسسات - مؤخرا أن نصف المستفيدين من البرامج التمويلية هنّ من النساء إذ شكلن النساء نسبة 52% قبالة 48% للرجال في التقرير السنوي للعام 2012 ! .ونجحت البحرين في تقديم رائدات أعمال جدد ، ومؤسسات تجارية جديدة ناجحة تقف خلفها نخبة من سيدات الأعمال بل وساهمت أيضا بشكل مباشر في تغيير نظرة سوق العمل للمرأة البحرينية فباتت الخيار الأول في الكثير من القطاعات والمؤسسات الخاصة والعامة .
ولم تكن " تمكين" بميزانيتها التي قاربت 39 مليون دينار للعام 2014 ، وحدها المعنية بتمكين المرأة البحرينية بل تضافرت معها عدة جهات في تمويل البرامج التدريبية التي تشجع روح الابتكار والابداع والمبادرة لدى المرأة ، من خلال تزويدها بالموارد والخدمات اللازمة لتتبوء مكانة اجتماعية وإدارية، مديرة كانت أو موظفة ، رائدة أعمال مبتدئة أو سيدة أعمال ناجحة ، وتأهليها لتصارع بشراسة في التناحرات السياسية وفي المصالح الاقتصادية وكل ما يرتبط بتمكينها اقتصاديا ، سياسيا ، تكنولوجيا ، اعلاميا ، إلا أموميّا !
كان التدريب عصب هذا التمكين للمرأة في كل المجالات ، فمنذ أن بدأت مجتمعاتنا تفطن لاعتبار العنصر البشري هو الأداة الأساسية المحركة للإقتصاد ، بدأت تعي الأهمية الاستراتيجية للتدريب من أجل الانتاجية واعتباره من ركائز التقدم وزيادة الانتاج ، سعت كل المؤسسات التدريبية لتأطير جهودها ومشاريعها وخططها التدريبية المعنية بتمكين المرأة اقتصاديا في إطار السلّم المهني واحتياجات السّوق ، نظرا لما تقدمه الدولة من ميزانيات ضخمة في هذا المجال . مما دفع ببرامج التدريب المعنيّة بالأسرة وتمكين أفرادها أسريا أن تخرج من إطار استراتيجيات تلك المعاهد ورؤى المدربين ، الذين وجدوا في الدعم المقدم لبرامج تدريب المؤسسات فرصة ثمينة لهم ، وانتهوا بوضع برامج تدريب المهارات الأسرية في إطار تدريب الأفراد الذي إما يقدم كزكاة عن أعمالهم ، أو برسوم زهيدة تعرض فيها ورش عمل لا يجتهد المدرّب حتى في إعدادها بعيدا عن القص واللصق ! ولا يجد فيها الأفراد لا سيّما الذكور جاذبية خاصة !
ورغم الملايين التي تنفق لتنمية المرأة ، لتشغل أفضل الوظائف من أجل أن يتحقق لها مستوى معيشي أفضل عبر تطوير مهارات الموارد البشرية ، فإن أيا من تلك الجهات لم تكن معنية ببذل ربع تلك الميزانيات في تنمية هذا المرأة في مهاراتها الأسرية كونها عصب أسرة قبل أن تكون موظفة في مؤسسة! وبقت أرقام الطلاق والعنوسة والعنف الأسري واضطرابات الأطفال والمشكلات الأسرية محصورة في جهود تدريبية متواضعة تعنى بها مراكز إرشاد أسري تعمل بميزانيات محدودة وكوادر غير مؤهلة التأهيل الكافي !
 فماذا يضير لو تمّ تضمين برامج التمكين الأسري للمرأة ضمن برامج التدريب المدعومة من قبل مؤسسات تحار في فائض ميزانياتها سنويا ! ماذا لو اجتهدت هذه المؤسسات في تأهيل المرأة الموظفة لتكون أمّا ناجحة أو ليس هذا هو الموقع الأهم الذي فطرها الله عليه منذ ولادتها ! فإذا ما كانت ترصد الملايين لتدريب الموظفين على أخلاقيات العمل فلنتساءل عن منشأ الأخلاق مهما كانت حسنة أو سيئة ! أليست نابعة من الأسرة ؟؟ فالأم ومنذ أن تشدّ قماط طفلها بيدها تؤهله ليكون قائدا أو موظفا أو محتالا أو لصّا، رغم كل ما تلعبه مؤسسات التنشئة الاجتماعية من أدوار، إلا أن كل التجارب والتحقيقات العلمية أثبتت أن مفهوم الذات للفرد بكلّ ما يحويه من تكوين معرفي منظم ومتعلم ، والذي يعتبره الانسان تعريفا نفسيا لذاته ، يبدأ من الأم منذ اللحظة الأولى التي تنظر فيها لعيني طفلها بعد الولادة وتحتضنه بين ذراعيها .
الأم المعلّم الأول للخير والشر عن طريق أوامرها ونهيها ، الأم من أسرتها تبدأ بناء الغد الاقتصادي إذا ما أدارت ميزانية الأسرة بصورة عقلانية أو تركتها تحت وطأة الاستهلاك الفاخر ، الأم ترسخ أسس القواعد الأخلاقية في المجتمع هي التي تستطيع بتربيتها الأخلاقية بناء رجال المستقبل ، وأخلاق المجتمعات مرتبطة إلى حد كبير بأخلاق الأمهات ، الأم صانعة روح وعواطف المجتمعات فهي من تهيء الأرضية اللازمة للالتقاء الإنساني في المجتمع ، الأم صانعة الحضارات وإذا ما وجدنا مجتمعا لا مباليا فهو يرتبط بالإنسان الذي صنعته الأم بتربية لا مبالية في أحضانها ، الأم تصنع التاريخ ، وزعيمة المجتمع ، ومفتاح الحضارة بيدها تعلم الرّجل أصول الحياة وبيدها تزرع القيم .
هل هناك من يجهل أن مسار الإنسان يبدأ منذ الحمل والولادة ؟؟ وقبول الطفل من قبل أمّه ، وتغذيته تغذية سليمة، ومراقبته وإحاطته بالحب والرعاية منذ ولادته ! هل هناك من ينكر أن الأم هي المسئول الأول عن حاجات الطفل وأنها المهندسة لشخصيته بكل تفاصيلها ؟ وأنها المعنية بتعليمه أصول الحياة الفردية والاجتماعية ؟! هل هناك من ينكر أن الأم هي المعلمة الأولى للإنسان وهي الصديق الأول له وهي المدرّب والقدوة والنموذج الأول الذي يقتدى به !
وإذا كنا نعاني الأمرّين من المشكلات المتفاقمة على الصعيد الأسري والتي جعلت منظومة الأسرة في مهبّ الريح إزاء أرقام التفكك الأسري المتزايدة ، وإذا كنّا على خطى الدول المتقدمة قد أدركنا أن التدريب خليق بـ دفع عجلة الإنتاجية في المسار الاقتصادي من خلال تغيير الأفراد بمنحهم مهارات لا معلومات ومعارف وحسب ! فما الضّير لو تم توجيه جزء من  39 مليون دينار في تمكين المرأة أموميّا وإعادتها لدورها المحوري في الحياة الأسرية الذي انطمس وسط الكوتا النسائية في البرلمانات والمجالس البلدية و وسط صيحات التمكين السياسي والاعلامي والتكنولوجي !
ما الضير لو تم اعتماد بعض البرامج التدريبية الأسرية ضمن برامج التطور في السلّم المهني والذي استفاد منه حتى الآن 12 ألف بحرينيا ورصدت له ميزانية لا تقل عن 18 مليون دينار بحريني لإكساب الموظفين مهارات في مجال عملهم واختصاصهم !

التمكين الحقيقي للمرأة والذي يساهم في تنمية المجتمع لا يبدأ من تحفيز أفراد المجتمع على إحداث التغيير الإيجابي لدعم مساهمة المرأة في العمل السياسي في حين أنها فاشلة أسريا ! ولا يبدأ من نجاحها في دائرة تمكينها اعلاميا وتكنولوجيا واقتصاديا وخلق طبقة من سيدات الأعمال يديرون نصف اقتصاد البلد ولا يملكون الوقت والمهارة لإدارة أطفالهم ! النجاح الحقيقي هو في تمكينها أسريا ، أموميّا ، فهي عصب الأسرة والأسرة عصب كل مجتمع !

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق